بسم الله الرحمن الرحيم
مركز الثورة العربية للأستشارات العسكرية
سلاح الضعفاء في مواجهة الأقوياء
( ونريد أن نمن على الذين أستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين)
(سورة القصص)
حرب العصابات
العصابة
لغوياً تعني جماعة من الناس والجمع عصائب، وردت هذه الكلمة في معركة بدر
عندما توجه سيدنا الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالدعاء الى الله تعالى
بقوله : (اللهم أنصر هذه العصابة ، اللهم أن تهلك هذه العصابة لن تعبد في
الارض بعد اليوم) وهنا العصابة كان يقصد بها جماعة المسلمين الذين كانوا في
مواجهة عتاة الكفار من قريش في معركة بدر . ويطلق مصطلح العصابات في
الوقت الراهن على الجماعات الخارجة عن القانون كعصابات الجريمة والسرقة
والمخدرات والتهريب، وبذات المعنى تطلق تسمية العصابة الحاكمة على الحاكم
المستبد والديكتاتور وأعوانه .
لانعني في بحثنا هذا بمصطلح العصابات
الذي توصف فيه الجماعات الخارجة عن القانون الذي نتحفظ عليه شرعياً
وقانونياً واجتماعياً وأنما نقصد به المعنى الذي يتحدد بقيام مجموعات صغيرة
وخلايا عقائدية بعمليات مسلحة محدودة على قوات الاحتلال والسلطة الغاشمة
المتفوقة ماديا ً وبأسلوب الكر والفر( أضرب وتملص) في الوقت والمكان الذي
يتم مواجهته فيها.
يعود مفهوم حرب العصابات الى الأنتفاضة الإسبانية
ضد الأحتلال النابليوني عام 1807 - 1812 م ولكنها كأسلوب خاص فإنها تضرب
جذوراً في التاريخ القديم، والتسمية الاجنبية لحرب العصابات( الغيريللا )
بالأصل إسبانية وتعني بالحروب الصغيرة او الجماعة الصغيرة المسلحة.
إن
حرب العصابات مظهر او أسلوب وتقنية من اساليب المقاومة وحروب التحرير
الشعبية ضد قوات الاحتلال الاجنبي والحكومات الغاشمة وهي صراع سياسي وعسكري
تستخدمه الشعوب المقهورة ذات القدرات المادية المحدودة ولكنها تمتاز
بالإيمان الراسخ والمعنويات العالية لمواجهة المعتدي القوي مادياً والضعيف
معنوياً ونفسياً وعندما تجد الشعوب المجابهة النظامية ليست في مصلحتها .
ولاتعد حرب العصابات شكلا مستقلا من اشكال الحرب ولكنها خطوة من خطوات
الكفاح المسلح ضمن اطار حروب التحرير والاستقلال.
وحرب العصابات في
جوهرها صراع غير نظامي وغير متماثل يعتمد على قيام مجموعات قتالية صغيرة
يجمعها هدف واحد وتسليح نوعي وخاص، تعتمد في قتالها على السرعة والمباغتة
ومفاجأة الخصم في الزمان والمكان في ظروف يتم انتخابها ويتحكم فيها
المقاتلين . وتشمل حرب العصابات على القتالات الخاصة (الكمائن والغارات
والدوريات) والعمليات الخاصة وحرب الألغام والمتفجرات. ويتجنب رجال
العصابات الالتحام في معارك كبرى مع الجيوش التقليدية لعدم تكافؤ القوى
ويتم التعويل على المعارك الصغيرة ذات الأهداف والأبعاد الأستراتيجية
والنتائج التراكمية والتي تتعمد أساساً على أستنزاف الخصم بحرب طويلة الأمد
وبالتالي انهيار إرادته على القتال وإجباره على الأنسحاب والتخلي مرغماً
عن مشاريعه ومخططاته.
إستراتيجية العصابات
أن واقع
حرب العصابات يبدأ بمجموعة صغيرة تؤمن بمبدأ وعقيدة ولابد لها ان تتسلح
بمبادئ استراتيجية تتيح لها استمرارية وتطوير العمل يقع في صدراتها :
اولا – وجود قضية عادلة تشكل أساس وجوهر الصراع، تترجم ميدانياً الى اهداف ذات ابعاد استراتيجية وتعبوية.
ثانيا-
العمل من خلال تنظيم عقائدي أوسياسي مهمته البناء والتثقيف العقائدي
والسياسي للتعويض عن التفوق المادي للعدو. والمقاتل المجاهد (العصابي) يعد
قوة عقائدية مسلحة واعية لأهدافها وعدالة قضيتها ومستعدة للتضحية في
سبيلها.
ثالثا- الحرص على الحسم السياسي للصراع بأسبقية أولى
وينبغي أستثمار وتوضيف نتائج العمل العسكري لصالح تحقيق الاهداف السياسية ،
وجوهر الصراع سياسي وعسكري.
رابعا- تعبئة الشعب كحاضنة داعمة لعمل العصابات .
خامسا- كسب التأييد والدعم والتعاطف الدولي.
سادسا- قيادة مؤمنة عادلة وشجاعة ذات قدرة تاثير إيجابية فعالة في محيطها الداخلي والخارجي .
سابعا-
إتباع استراتيجة أستنزاف طويل الأمد الذي من نتائجه الحاق الخسائر المادية
والنفسية واضعاف ارادة العدوعلى القتال وبالتالي أجباره على التخلي عن
اطماعه ومشاريعه.
تكتيك حرب العصابات
على الرغم من أن
إستراتيجية العصابات دفاعية فإن تكتيك هذه الحرب تعرضي وهجومي . وعلى الرغم
من اختلال ميزان القوى على المستوى الاستراتيجي فأنها تسعى الى تأمين
التفوق على المستوى التعبوي التكتيكي من خلال حصيلة الاعمال التي يجري
تنفيذها في عموم القاطع :
اولا- إنهاك العدو بضربات متواصلة وطويلة ( وخزات الابر او لسع النحل).
ثانيا- ضرب مراكز العدو الحساسة كمقرات القيادة والسيطرة وعقد المواصلات وطرق الأمداد والتموين .
ثالثا- توسيع مناطق العمليات لإجبار العدو على الانتشار والتعبثر على مناطق واسعة وجعله ضعيفاً في كل مكان.
رابعا-
عدم التمسك بالأرض وإتباع أساليب الحركة والمناورة وعدم التحشد والتجمع
أمام العدو الذي سيتخدم قواته النارية من قوات جوية وصاروخية ونيران
مدفعية وهاونات لتدمير وانهاك العصابات.
خامسا- من متطلبات هذا
الصراع الطويل الامد تنمية القدرات الذاتية وتطويرها في مجال التدريب
والتطوع والتسليح والبناء العقائدي والابداع في الاساليب.
سادسا- إقامة القواعد والملاذات الامنة بالاستفادة من الطبيعة الجغرافية كالجبال والغابات والأحراش للأختفاء عن رصد وعيون العدو.
سابعا-
الاستمرار بضرب العدو في الزمان والمكان لخلق حالة من انعدام الامن بين
صفوف قواته وقياداته مما يؤثر على الجانب المعنوي والنفسي لعناصر .
ثامنا-
مباغتة قوات العدو بالاسلوب وفي المكان والزمان الذي لاتتوقعه. والمباغتة
ستفرض حالة من الارباك في قياداته وعناصره وستلحق خسائر كبيرة بين صفوفه.
الخاتمة
طبقت
حرب العصابات في دول شتى تعرضت الى الأحتلالات الأجنبية أوعندما تتعرض
الشعوب الى قهر وبطش السلطة الحاكمة على سبيل المثال لا الحصر أستخدمت في
حروب تحرير الجزائر وفيتنام والسويس وفلسطين وافغانستان والعراق ومازالت
أساليبها تنفذ في ثورة تحرير سوريا في مواجهة قوات النظام الغاشمة، كانت
وماتزال هذه التقنية أحد اساليب حروب التحر الوطني التي تلجأ لها الشعوب
الضعيفة ماديا ولكنها تمتاز ببناء عقائدي ونفسي ومعنوي يتفوق فيه على بناء
المعتدي الغاشم. بالأمكان استنباط الدروس والعبر من تجارب الشعوب في
التحرر ولكن يصعب استنساخ تجربة معينة فلكل منها ظروفها الخاصة ووسائلها
وشروطها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية.
الفريق الركن صباح نوري العجيلي
21تشرين الاول 2013 م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق